انعدام الأمن المائي يجلب البؤس إلى جنوب السودان

انعدام الأمن المائي يجلب البؤس إلى جنوب السودان

بقلم دينيس موريس ميمبوغبي

تشكل المياه والصرف والنظافة الصحية تحديًا رئيسيًا للصحة العامة في جنوب السودان، حيث تذهب الأسر إلى الفراش دون مياه شرب آمنة، مما يؤثر بشدة على العديد من الأسر.

جوان مايكل ذات الأربع سنوات تجمع المياه من الشارع في جوبا لمساعدة والدتها في أوائل عام 2022 (تصوير دينيس موريس من إذاعة سما إف إم)

بيتي إلياس، وهي من سكان جوبا ناباري وأم لخمسة أطفال، سلطت الضوء على الوضع المأساوي قائلةً: “من الصعب للغاية الحصول على المياه في منطقتنا. هناك أوقات يمر علينا أكثر من ثلاثة أيام بدون مياه شرب”.

وأعربت أيضًا عن استيائها من سوء حالة الطرق في مجتمعها، والتي تعيق بشكل متكرر توصيل شاحنات المياه، “مما يجعل من المستحيل علينا القيام بالمهام الأساسية مثل غسيل الملابس”.

ورغم مرور نهر النيل الأبيض عبر جنوب السودان، إلا أن المياه النظيفة لا تزال سلعة باهظة الثمن. يبلغ سعر برميل المياه النظيفة من شاحنات المياه 3000 جنيه جنوب سوداني، أي حوالي دولارين أمريكي.

WATER TANK IN SSD 1
شاحنة نقل خزان المياه في جنوب السودان

وسط هذه التحديات، أخذت بيتي زمام الأمور بيدها وحفرت بئرًا مائيًا تحت الأرض، يبلغ عمقه حوالي أربعة أمتار، للتخفيف من عبء ارتفاع تكلفة المياه.

تقول إنها حفرت هذا البئر بسبب الحاجة إليه. “إنه بمثابة احتياطي عندما لا يتوفر الماء من الخزان”.

والآن يستخدمه عائلتها وأفراد المجتمع الآخرين لغسل الملابس والطهي ومهام مختلفة، لكنها تقول إنه “غير صالح للشرب بسبب ملوحته”.

فرانسيس واجو، وهو عالم متخصص في المياه، أكد على خطورة الوضع، مشددًا على أن الحصول على المياه النظيفة لا يزال تحديًا كبيرًا.

يقول إن العديد من الأسر تفتقر إلى مياه الشرب وتعتمد على إمدادات خزانات المياه المحدودة، مؤكدًا على أن “توسيع الوصول إلى المياه للمنازل أمر بالغ الأهمية”.

شدد واجو على أن المياه الجوفية هي المصدر الرئيسي لمياه الشرب، خاصةً في المناطق الريفية، لكنها تحمل مخاطر كبيرة بسبب التلوث.

ووفقًا لواجو، فإن التلوث في جنوب السودان ناتج بشكل أساسي عن الصناعة الواسعة المرتبطة باستخراج النفط، والتي تؤثر على جودة المياه الجوفية.

كما يقول إن “المواد الكيميائية من الأنشطة الزراعية والتعدينية تساهم في تلوث المياه الجوفية”، مما يزيد من المخاوف البيئية.

وفقًا لليونيسيف، 59٪ من سكان جنوب السودان يفتقرون المياه الصالحة للشرب، مع وجود 10٪ فقط لديهم خدمات صرف صحي مُحَسَنَة. يتعرض غالبية السكان لمياه ملوثة، مما يؤدي إلى الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا وغيرها من الأمراض.

ووفقًا لوكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية، ساهم استخراج النفط في مناطق السهول الفيضية الوسطى لجونقلي والبحيرات وأعالي النيل في المخاطر التي تهدد جودة المياه السطحية والجوفية. أدت تسربات الأنابيب والانسكابات إلى تلوث المياه السطحية، بينما أدى التسرب من حقول النفط إلى زيادة الملوحة وتركيزات المعادن الثقيلة في المياه الجوفية.

قطاع المياه في جنوب السودان مُفَتَّت للغاية على المستويين الوطني ودون الوطني، حيث تفتقر العديد من المؤسسات إلى الأدوار والمسؤوليات الواضحة.

يقول بال ماي، وزير الموارد المائية والري، إن التمويل من بنك التنمية الإفريقي والبنك الدولي سيسهل توسيع نطاق الوصول إلى المياه النظيفة للأسر في المناطق الحضرية والريفية على حد سواء.

ويشير إلى أنه بدعم من بنك التنمية الإفريقي والبنك الدولي للتخفيف من آثار أزمة المناخ، “نوفر الآن مياه الشرب الآمنة لسكان الحضر والأرياف”.

مع ذلك، وعلى الرغم من هذه الجهود، كان دعم الحكومة والجهات المانحة لإدارة الموارد المائية أقل من القطاعات الأخرى، مما أدى إلى تفاقم التحديات التي تواجه المجتمعات التي تعاني من انعدام الأمن المائي.

نفذت الحكومة وشركاؤها، بما في ذلك اليونيسف والسفارة الألمانية، نظامًا لإمداد المياه لخدمة أكثر من 45.600 من سكان يامبيو بالمياه النظيفة والآمنة، بهدف تعزيز الصحة وتحسين الحياة.

أكدت حميدة لاسيكو، ممثلة اليونيسف في جنوب السودان، على أهمية توفير مياه الشرب الآمنة، قائلةً: “هذا تطور حيوي للسكان في يامبيو”.

أصرت لاسيكو على أن الوصول إلى المياه النظيفة والمتاحة ليس ضرورة فحسب بل حقًا أساسيًا للإنسان، مؤكدةً أنه “يمثل خطوة إيجابية نحو التنمية القائمة على المرونة في جنوب السودان”.

ماجول جابرئيل ماريال، المدير العام للإعلام في هيئة المياه الحضرية بجنوب السودان، كشف عن خطط لتوسيع محطات معالجة المياه لتوفير مياه شرب آمنة للسكان.

وأشار إلى أن الحكومة الجنوب سودانية توفر حاليًا، بدعم من حكومة اليابان، مياه الشرب النظيفة لأكثر من 500 ألف شخص.

ومع ذلك، فإن إحدى المشاكل تكمُن في “الفجوة بين العرض والطلب لا تزال كبيرة رغم جهودنا”، مشيرًا إلى أنه في حين أن استهلاك الفرد اليومي الموصى به من المياه يبلغ 130 لترًا، “فإننا لا نستطيع توفير سوى 60 لترًا للشخص الواحد يوميًا”.

محطة معالجة المياه الحالية، التي شيدتها الحكومة اليابانية، زادت تكلفتها عن 64 مليون دولار أمريكي.

محطة معالجة المياه التي بدأ تشييدها في ديسمبر 2013 واكتملت بتكلفة 64 مليون دولار أمريكي، سُلِمَت رسميًا إلى جنوب السودان في 16 مارس 2023.

water treatment plant 1
Water treatment plant constructed by the Japanese government

أعرب مايكل سانيا، رئيس منطقة حي كويت مونوكي، عن أسفه لنقص المياه الممتد الذي عانى منه المواطنون على مدار السنوات الخمس الماضية. وسلط الضوء على ارتفاع تكلفة المياه، داعيًا سلطة المياه إلى تيسير تكلفتها أكثر على السكان.

شدد سانيا على خطورة مشكلة المياه، مسلطًا الضوء على الزيادة الأخيرة في أسعار المياه من “1000 إلى 2500 جنيه جنوب سوداني للبرميل الواحد”.

وبما أن الأسر تحتاج من خمسة إلى ستة براميل يوميًا، فقد أصبحت التكلفة غير قابلة للإدارة. وحث الحكومة على اتخاذ إجراءات لجعل المياه في متناول جميع المواطنين.

وأكد سانيا أن تحديات الحصول على المياه تمتد إلى ما بعد المناطق الحضرية إلى المناطق الريفية، خاصة خلال موسم الجفاف. وأعرب عن قلقه على سلامة النساء اللواتي يتعين عليهن السفر لمسافات طويلة لجلب المياه، مشيرًا إلى حالات الاغتصاب والاختطاف على طول الطريق.

أكد بال ماي دينق، وزير الموارد المائية والري الوطني، التزام الحكومة بتوفير مياه الشرب الآمنة والنظيفة للمواطنين.

وأعلن عن خطة الحكومة لإنشاء محطات معالجة مياه ذات سعة موسعة، بهدف توفير وصلات المياه المنزلية لجميع الأفراد.

وقال الوزير دينق إن المبادرة ستبدأ في جوبا وتتوسع إلى عواصم الولايات، مع التركيز على توفير مياه الشرب الآمنة للسكان الريفيين من خلال محطات المياه.

ومع ذلك، أعربت بيتي إلياس عن شكوكها في وعود الحكومة.

قالت بيتي: “إنهم يقولون ذلك دائمًا، لكن في الواقع، لا يتابعون الأمر. لا أعتقد أن الحكومة ملتزمة حقًا بتنفيذ ما تعد به”.

في 3 يونيو 2024، وقع رئيس جمهورية جنوب السودان، سلفا كير ميارديت، على مبادرة ميثاق المياه والصرف الصحي التي تُعد نقطة هامة في الطريق إلى ضمان حقوق جميع المواطنين في الحصول على المياه والصرف والنظافة الصحية.

يعد ميثاق المياه والصرف الصحي خطوة مهمة نحو تحسين وضع المياه والصرف الصحي في البلاد.

لقد عانى مواطنو جنوب السودان بشكل كبير من تأثير التحديات الاجتماعية والاقتصادية المتعلقة بالمناخ منذ الاستقلال في عام 2011.

وقال الرئيس كير: “إن المياه الآمنة وبيئة المعيشة النظيفة أمران حاسمان لنمو وازدهار أي بلد. لذلك، يجب على الحكومة توفير بيئة مواتية لقطاع المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية لتطوير وإدارة ومراجعة السياسات والاستراتيجيات والمبادئ التوجيهية، بما في ذلك تمرير مشروع قانون المياه”.

يعد الميثاق بشأن المياه والصرف الصحي عنصرًا حاسمًا في الجهود الرائدة لتعزيز خدمات المياه والصرف الصحي والنظافة الشخصية في جنوب السودان.

وتعد جنوب السودان أول دولة في القارة وثاني دولة في العالم يوقع رئيسها على الميثاق.

يهدف الميثاق بشكل أساسي إلى ضمان خلو جنوب السودان من التبرز في العراء بحلول عام 2030، وستقود الحكومة برامج التنفيذ بدعم من الشركاء لتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية لتحقيق هذا الهدف الطموح.

شهد جنوب السودان آثارًا عميقة لتغير المناخ على مدار السنوات الأربع الماضية، مما أدى إلى تفاقم الصعوبات المرتبطة بالمياه. وفقًا لتقرير برنامج الأغذية العالمي في أبريل 2023، أُدرِج جنوب السودان ضمن الدول الثماني الأولى الأكثر تضررًا من تغير المناخ في العالم. ومن الأمور المثيرة للقلق بشكل خاص ارتفاع خطر الفيضانات، الذي من المتوقع أن يزيد من تفاقم الوضع. صنف البنك الدولي جنوب السودان كسابع أكثر دولة عرضة لهذه التحولات المناخية على مستوى العالم.

في السنوات الأخيرة، فترات الجفاف المتكررة، خاصة في منطقتي الجنوب الشرقي والشمال الشرقي، أثرت سلبًا على مختلف الأنشطة بما في ذلك الزراعة مما أدى إلى ندرة المياه للاستخدام المنزلي.

يُبرِز ماجول تغير المناخ كعامل رئيسي يعوق إمدادات المياه ومعالجتها. ويوضح أن الأمطار الغزيرة تؤدي إلى عَكر المياه، مما يؤثر على الإنتاج، بينما تؤدي فترات الجفاف إلى تفاقم جودة المياه وتوزيعها. ويوضح أن “ظروف الطقس المستقرة تمكننا من ضخ ما يكفي من المياه، حوالي 10800 لتر يوميًا”.

يؤكد بال ماي دينج على التأثير الشديد لتغير المناخ على توافر المياه وجودتها.

ويأسف لكون جنوب السودان شهد على مدار السنوات الأربع الماضية فيضانات هائلة غمرت الآبار وخللت بإمدادات المياه، مما أدى إلى تفاقم مشاكل النظافة والصرف الصحي.

Water treatment plant in SSD 1
نقطة سحب المياه في محطة معالجة المياه

ووفقًا لبال ماي دينج، أدى ذلك إلى سوء جودة المياه، مما يشكل مخاطر على الصحة العامة.

في الآونة الأخيرة، كشفت الكتلة الاقتصادية، برئاسة نائب الرئيس الدكتور جيمس واني إيغا، عن تخصيص ميزانية قدرها 9 ملايين دولار لشراء المئات من خزانات المياه، بهدف التخفيف من حدة الندرة المائية السائدة وخفض الأسعار في المناطق الحضرية، وهي الخطوة التي غطتها وسائل الإعلام المحلية  على نطاق واسع، بما في ذلك إذاعة آي.

ومع ذلك، واجهت هذه الخطوة انتقادات واسعة النطاق من قبل الجمهور ومنظمات المجتمع المدني، مع مطالبات بإعطاء الأولوية لشبكات المياه المنزلية بدلًا من شراء خزانات المياه.

الصراع المستمر في جنوب السودان أثر بشكل كبير على التنمية المؤسسية، خاصة في قطاع المياه، مما أدى إلى ضعف أداء المؤسسات في البلاد عبر الوزارة، مع تأثير كبير على القيود على الموارد البشرية والمالية التي تؤثر على أنظمة التخطيط والرصد والإدارة. تساهم هذه العوامل، إلى جانب الفقر المنتشر، في انعدام الأمن المائي المحلي.

كان هناك دعم قانوني من الحكومة والشركاء لتطوير قطاع المياه من أجل إدارة الموارد المائية المتكاملة، بما في ذلك مياه الشرب والصرف الصحي والنظافة.

إذا كان العالم وحكومة جنوب السودان مهتمين بحياة الناس، فيجب إعطاء الأولوية لتوفير إمكانية الوصول إلى مياه الشرب النظيفة والآمنة للمواطنين كأحد المشاريع الرئيسية لإنقاذ الأرواح، حيث نعتقد أن الماء هو الحياة.

أُنتِجَت هذه القصة بالشراكة مع InfoNile وبتمويل من مؤسسة JRS Biodiversity وبرنامج شراكة المياه والتنمية في IHE Delft، وهي عبارة عن جهد تعاوني بين الصحفي دينيس موريس ميمبوغبي والباحث فرانسيس واجو، مدير السياسة والتنظيم بوزارة الموارد المائية والري الوطنية بجنوب السودان. 

Like this article?

Share on Facebook
Share on Twitter
Share on Linkedin
Share on Pinterest
Share on Telegram
Share on WhatsApp

Leave a comment

Related Posts