بقلم مكي المغربي
فتحية حمدان، أم لأربعة أطفال من منطقة القضارف بالسودان، تستخدم أربعة براميل من المياه يوميًا خلال فصل الشتاء.
مع ذلك، تتضاعف الحاجة خلال فصل الصيف مما يزيد العبء الاقتصادي على فتحية لأنها، تمامًا مثل سكان آخرين، تشتري المياه من البائعين على عربات تجرها الحمير.
يقول أحمد يس، أحد بائعي المياه، إن البرميلان يكلفان دولارًا واحدًا. هذه تكلفة باهظة بالنسبة لفتحية التي تحتاج المياه لرعاية ماعزها أيضًا بجانب الاستخدام المنزلي.
تتساءل فتحية قائلة: “من يصدق أنني أشتري المياه لماعزي كل يوم؟ لو لم أفعل هذا سأضطر إلى شراء الحليب.” وأضافت: “أحتاج إلى 50 دولار شهريًا على الأقل. هذا مبلغ ضخم في هذا الجزء من العالم.”
تقول فتحية أنها كانت تخطط لشراء المزيد من الماعز لتُنتج السمن وتبيعه في السوق المحلي، لكن هذه الخطة أُجِلت.
[التحليل البياني البصري: احتياجات المواشي من المياه في منطقة القضارف (عام 2021)]
يبلغ سعر الماعز في سوق القضارف 50 دولارًا، أي أنه لو توفرت مياه نظيفة مجانية، لكانت فتحية تشتري مَعز شهريًا.
يقول عبد الرحمن، بائع مياه آخر، أن وضع المياه في القضارف يُعد أفضل نسبيًا في الشتاء، لكنه سيصبح مروعًا في الصيف القادم بسبب “العدد الكبير لضيوفنا الجدد” (مصطلح تبناه السكان المحليون للإشارة إلى اللاجئين أو النازحين بعد أن شجعتهم على ذلك حملة على وسائل التواصل الاجتماعي).
التعداد السكاني لولاية القضارف ازداد بنسبة 30% بعد حرب تيغراي في أثيوبيا وحرب السودان التي بدأت في أبريل 2023.
المصادر الرئيسية لمياه الشرب في مدينة القضارف هي المياه الجوفية التي يتحصل السكان عليها من الآبار، خاصةً في مناطق الدلاسة والكنارة وعجيب، لكنها بالكاد تغطي أحياء السلامات وديم سعد وأركويت ووسط المدينة، وهي المناطق التي تتمتع بشبكات وخطوط مياه جيدة.
يعاني ما يقرب من ثلثي المدينة من عدم استقرار إمدادات المياه أو يعتمدوا كليًا على ناقلات المياه والباعة المحليين.
وفقًا لمبادرة حوض النيل (NBI)، تَعِد المياه الجوفية بسد الفجوة بين العرض والطلب على المياه وتخفيف آثار تقلب المناخ.
عادةً ما تظهر أزمة المياه في هذه المدينة أثناء أشهر الصيف، مارس وأبريل ومايو، حيث يزداد نقص المياه سوءًا، ويؤدي التنافس على آبار المدينة وناقلات المياه والبائعين أزمات بين المواطنين واللاجئين.
ماذا يخبئ المستقبل لأهل القضارف؟
أدى عدم الاستقرار السياسي إلى تفاقم مشكلة المياه في السودان. على سبيل المثال، أوقفت الحرب تنفيذ مشروع “الحل النهائي”، الذي صُمِم لتحسين تغطية المياه الصالحة للشرب في القضارف.
بالرغم من ذلك، ما زال سكان القضارف لم يفقِدوا الأمل تمامًا أمام تحديات المياه. لا تزال المنطقة تشهد سقوط أمطار يُمكِن أن تصل إلى 280 ملم خلال الموسم الممطر.
لكن تظل الناس مضطرة لشرب المياه الموحلة والملوَّثة، التي تبقى نعمة لأناس مثل عز الدين، سائق سيارة أجرة في القضارف، يقول إنه ينفق ما يقرب من دولار يوميًا لشراء المياه، وهو ما يُمثِّل 10% من دخله.
ويضيف: “مع ذلك، فإن جودة المياه الرديئة هذه تُعَد نعمة لأنها تساعدني على تربية بعض الدجاج في منزلي، وبالتالي أحصل على وجبة إفطاري من البيض”.
هناك تدخل واحد يدعمه المسؤولون لتحسين الوضع المائي وهو حصاد المياه الجوفية.
يرى مُفوَّض مدينة القضارف عباس إدريس أن المياه الجوفية إذا استُخرِجَت بشكل جيد “ستساعد في إنهاء تحديات نقص المياه في هذه المنطقة”.
ويقول إنهم يتجهون الآن للاعتماد على المياه الجوفية كإحدى طرق تجنب نقص المياه في المنطقة بالإضافة إلى حصاد مياه الأمطار.
المياه الجوفية هي أهم مصدر لمياه الشرب للناس والماشية والحياة البرية في دول حوض النيل الأحد عشر. ووفقًا لمبادرة حوض النيل، وهي شراكة حكومية بين عشرة من دول حوض النيل، يعتمد أكثر من 70% من سكان الريف في هذه المنطقة على المياه الجوفية حيث تُخزَّن في خزانات جوفية.
بالإضافة إلى حصاد مياه الأمطار، يعرب عباس عن تفاؤله بأن مشروع خزان القضارف-أديغرات الجوفي سيُحسِن الوضع بشكل ملحوظ، مضيفًا أن السلطات المحلية حريصة على المشاركة ودعم المشروع.
يُعد خزان القضارف-أديغرات الجوفي أحد الخزانات الجوفية الثلاثة العابرة للحدود التي اختيرت كدراسة حالة في إطار مشروع المياه الجوفية التابع لمبادرة حوض النيل – “تعزيز الإدارة المشتركة لموارد المياه السطحية والجوفية في خزانات المياه المختارة العابرة للحدود: دراسة حالة لموارد مياه جوفية مشتركة مختارة في حوض النيل”. الخزانان الآخران يتواجدان في جبل إلغون وكاجيرا على التوالي.
يهدف مشروع مبادرة حوض النيل إلى تعزيز القاعدة المعرفية والقدرات والآليات المؤسسية عبر الحدود من أجل الاستخدام والإدارة المستدامين لخزانات المياه الجوفية الثلاثة. كما سيساعد على تحقيق الإنجازات الوطنية وإعداد التقارير المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة المتصلة بالمياه ودعم حماية البيئة مع تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية لسكان حوض النيل.
المشروع الممتد لمدة خمس سنوات (2020 – 2025) يُموله مرفق البيئة العالمي (GEF) من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) وتنفذه مبادرة حوض النيل (NBI).
تم دعم هذه المقالة بواسطة InfoNile بتمويل من مبادرة حوض النيل.