( إستراتيجية الري الحديثة: هدف مصر الذى “لا مفر منه” من أجل الاستخدام الأمثل لمصادر المياه)

( إستراتيجية الري الحديثة: هدف مصر الذى “لا مفر منه” من أجل الاستخدام الأمثل لمصادر المياه)

أميرة سيد – محمد وديع

صلاح إسماعيل، مزارع من كرداسة، أحد القرى فى محافظة الجيزة المصرية، يستغرق حوالي ساعتين فى الري لمساحة حوالي فدان من مزرعته . و اليوم هو يقوم بزراعة البقدونس الذى يبيعه طازجا، أو مجففا. و يقوم كذلك بزراعة بعض المحاصيل الخفيفة الأخرى مثل الباذنجان و الجرجير.

ويمكن أن ندرك الطريقة التى يتبناها فى الري من خلال الساعتين اللتين يستغرقهما فى ري فدانه. إسماعيل و خمسة مزارعين آخرين لديهم قطع أراضي متجاورة لبعضها البعض. يقول إسماعيل إنهم جميعا يستخدمون نظام الزراعة بالغمر، كنظام تقليدي للري والزراعة أيضا.” كل عائلتي تستخدم الطرق التقليدية للري، وهناك خمسة من المزارعين و أنا منهم نمتلك قطع أراضي متجاورة و نحن جميعنا نتشارك نفس مصدر المياه من أجل الري، لكن كل فرد  منا يستخدم آلته الخاصة للري والتي تعمل بوقود الديزل ” كما يوضح إسماعيل فى تصريحه، ويكمل :” أضف إلى ذلك التحديات التى نواجهها أثناء عمليات الزراعة يوميا بسبب إرتفاع تكاليف وقود الديزل.”

IMG 20220605 WA0028 1
صلاح اسماعيل مزارع من كرداسة

 وطبقا لإحصاءات الولايات المتحدة الجيولوجية The U.S. Geological Survey’s  USGS  فإن كلية علوم المياه تعرف الري بالفيضان (أى الغمر) كأسلوب للري يعتمد فيه المزارعين على فيضان المياه داخل قنوات تروية تم تخطيطها خلال عروات محاصيلهم ،و تصفها بأنها ليست العملية الأكثر كفؤاً فى أساليب الري ، لكنها تظل أسلوبا رخيصا و لا يحتاج لتقنيات معقدة.

 وفى الواقع ، ليس إسماعيل و جيرانه المزارعين هم الوحيدون الذين يستخدمون مثل هذا الأسلوب فى الري، و لكن يوجد العديد من المزارعين فى مصر يتبنون نفس النظام فى الري.  أبو سريع، مزارع آخر من كرداسة ، يقول أنه أيضا يتبنى نفس نظام الري بالغمر التقليدي باستخدام  ماكينة رافعة تعمل بالديزل ” موتور” على مزرعته ، والتي تبلغ مساحتها أقل من فدان .

 وتبذل الحكومة المصرية أقصى جهدها للتحول إلى الري الحديث على المستوى القومي، كأحد الطرق والوسائل التي تستجيب بها الحكومة لتحديات المياه التى تواجهها ، لكنها تظل مهمة شاقة .

 يشرح إسماعيل أنه عملية التحول إلى الري الحديث قد يكون فى غير مقدورهم في الوقت الراهن .

 ويوضح ” أغلبية المزارعين حاليا يمتلكون فقط قطع صغيرة من الأراضي الزراعية، لذا فإنه ليس هناك  عائد أو جدوى إقتصادية من تبني أنظمة الري الحديثة و التى عادة ما تتطلب تكلفة عالية” 

حسين ابو صدام، نقيب الفلاحين  ( المزارعين) من جانبه يصرح:” إلى جانب التحديات المادية، فإن تجزئة الأراضي تعيق الفلاحين أيضا من التحول إلى الحداثة فى أنظمة الري ، حيث أن المزارعين من أصحاب الأراضي الصغيرة يرونها بلا عائد أو نفع إقتصادي لهم فى حال تبنيهم تلك التقنيات الحديثة، بل إنها على العكس قد تكون ذات تكلفة عالية، بينما هم يحصلون على القليل من أراضيهم”. 

( الجهود المبذولة للتوسع فى استخدام الري الحديث)

تعتمد مصر على نهر النيل، والذي ينبع من خارج حدودها، لتلبية أكثر من 97% من احتياجاتها من المياه. و تعاني البلاد من نقص يصل إلى حوالي 90% في موارد المياه المتجددة ، ولذلك فإنها تقوم بإعادة إستخدام حوالي 35% من مصادر مياهها مرة أخرى لرأب أو سد هذه الفجوة . وفقاً لتصريحات محمد عبد العاطي، الوزير السابق بوزارة  الموارد المائية والري المصرية، فإن إحتياجات مصر الفعلية من المياه تبلغ ضعف كمية ما لديها من المياه المتاحة ، والدولة تبذل جهودا ضخمة من أجل تحديث نظم إستهلاك المياه ، وتعظيم الاستفادة  من مصادر المياه المتاحة لديها.

 من جانبه يقول أبو صدام :”إن التحول إلى النظم الحديثة للري أصبح  أمراً “لا مفر منه”، وليس ” رفاهية” في ضوء ندرة المياه. و على مستوى مبادرات الدولة للتحول و الإنتقال إلى الري الحديث فإنه يضيف:” لابد وان يكون هناك رقابة محكمة على العملية كلها. الأمر الذي يتطلب التنسيق بين الحكومة، و الإتحادات ذات الصلة، و النقابات من أجل التأكد من نجاح عمليات التحول إلى الري الحديث”.

IMG 20220605 WA0032 1
مزرعة مروية في محافظة الجيزة بمصر

و كأحد أساليب التدخل للاستجابة للتحديات المادية التي يواجهها المزارعون ، أطلق البنك المركزي المصري  (CBE) مبادرة لإمداد المزارعين بالدعم المادي اللازم لعملية التحول إلى نظم الري الحديثة. وخصص البنك المركزي المصري مبلغ 55.5 بليون جنيه مصري من أجل هذه المبادرة. وتعمل المبادرة على إتاحة الفرصة للمزارعين على الحصول على قروض من خلال الروابط والمؤسسات  الزراعية المنتشرة فى الجهات الحكومية والمحلية على كافة أنحاء الجمهورية، وبذلك يستفيد المزارعون من المبادرة التي ستتولى دفع وتغطية نفقات التحول إلى نظم الري الحديثة على هيئة أقساط بنكية تدفع على مدار عشر سنوات.

و من المتوقع أن يسفر تنفيذ هذه المبادرة عن توفير الدعم اللازم لري  نسبة  تتراوح ما بين 30-40%  ليتم توظيفها فى استصلاح الأراضي، وزيادة إنتاجية الأراضي المزروعة بنسبة تتراوح ما بين 25-30% وكذلك رفع نسبة الدخل للمزارعين وذلك وفقا للبيانات التى تضمنتها دراسة التحليل الإستراتيجي لمصادر المياه ” سورا ” (SWRA) والتى أجرتها مبادرة دول حوض النيل، حيث سيكون هناك مساحة كافية لرفع كفاءة استخدام مياه الري في دول حوض النيل ، وعلى وجه الخصوص إذا ما تم تطبيقها فى خطط الري على نطاق واسع فى كل من مصر و السودان. ” أكثر من 20-30% من تحسين كفاءة منظومة الري بوجه العام يمكن أن تصبح ممكنة و الأهم فى المناطق التى تستخدم نظم الري التقليدي، وبالتالي فإن تحسين كفاءة المياه من 5-15% – و من 15-30% هي ما تم اقتراحه ليصبح قيد التنفيذ بحلول عام 2030 – وعام 2050 على التوالي، وذلك بالتزامن مع وسائل الحفاظ على المياه الأخرى”  كما ذكر أحد المحللين فى الدراسة.

 بالنسبة لمدى ملائمة الأراضي للري الحديث فى دول حوض النيل، فإن ” سورا”- التحليل الإستراتيجي لمصادر المياه ، تشير إلى أن :” حوض النيل يعد مركزا لبعض أفقر المجتمعات حول العالم، و بالتالي فإن عملية التوسع فى الزراعة أو تكثيفها قد يعد أمرا ضروريا لضمان حاجات الأمن الغذائي ، وتحسين مستوى المعيشة، والإقلال أو الحد من الفقر فى دول الحوض. والعمل على تحسين نظم الري يعد واحدا من الركائز الاستراتيجية الأساسية من أجل النهوض بالإنتاجية الزراعية و تحسينها.”

 وطبقا للحكومة المصرية فإن مساحة الأراضي المزروعة قد زاد بنسبة تقدر بحوالي 9% ، حيث وصلت إلى حوالي 9.7 مليون فدان فى عام 2021، بالمقارنة مع 8.9 مليون فدان فى عام 2014م.

محمد عبد العاطي، الوزير السابق لوزارة الري و الموارد المائية المصرية، أفاد بأن الحكومة المصرية ملتزمة بتحديث الري، و أضاف أنه وفى معظم الأراضي الصحراوية فإن الري يتم حاليا باستخدام النظم الحديثة. مؤكدا على أهمية وجود حوار وطني يهدف إلى زيادة الوعي المجتمعي فى كافة أنحاء الجمهورية.

هذه القصة تم دعمها من قبل InfoNile  إنفونايل ووكالة الإعلام للتعاون و الإنتقال (MiCT) كمشروع تعاون مع مبادرة حوض النيل (NBI) بدعم من الوكالة الألمانية الدولية للتعاون (GIZ) GmbH)وتم تمويلها من قبل الإتحاد الأوروبي و الحكومة الفيدرالية الألمانية. 

Like this article?

Share on Facebook
Share on Twitter
Share on Linkedin
Share on Pinterest
Share on Telegram
Share on WhatsApp

Leave a comment

Related Posts