بقلم: لينه ياسين
من الواضح أن تغير المناخ سيزيد من مخاطر الجفاف والتصحر بشكل اكبر خلال السنوات القليلة القادمة. ولذلك ، فقد انخرطت جميع دول العالم في استخدام التكنولوجيا كوسيلة لمساعدة البشرية على مواجهة التصحر
بطريقة أفضل. في السودان ، يهدد التصحر تقريبا كل الأراضي القابلة للزراعة في البلاد. وخاصةً القطاع المروي ، ومخططات إنتاج المحاصيل الآلية، والزراعة التقليدية المطرية. وإذا تُرِك المزارعون دون دعم ، فعليهم أن يزِنوا خياراتهم: إما أن يحاولوا بشكل فردي الحد من آثار التصحر المتعرضة لمصادر رزقهم، أو أن يقرروا التخلي عن الأمر تماماً لتقليل الخسائر. “كمزارع ، أحاول قدر المستطاع التكيف مع هذه التغييرات ولكن يظل الأمر صعبا. لست بخبير، لكنني أعي أنه يتوجب على الحكومة مساعدتنا في هذا الوضع، وإلا فسأضطر إلى ترك الزراعة والعثور على أي وظيفة أخرى لإعالة أسرتي. وهذا ما فعله معظم أصدقائي من المزارعين.” هذا ما قاله محمود حسن، و هو مزارع من جنوب شرق الخرطوم.
في عام 2007 ، أصدر برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) تقريرا يشير فيه إلى أن التصحر كان من بين الأسباب الرئيسية وراء اندلاع الصراع في منطقة دارفور بالسودان. ويضيف الأستاذ محمد صالح ، مدير معهد الدراسات البيئية في جامعة الخرطوم ، أن “التصحر هو في الواقع أكثر خطورة مما نتخيله ، فالسودان بحاجة إلى المزيد من التكنولوجيا المتقدمة لمكافحة هذه القضية. تعمل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر منذ ما يقرب من 10 سنوات في وتطوير خدمات المعلومات المبتكرة، القائمة على تقنيات الأقمار الصناعية. الأمر الذي من شأنه أن يساعد البلدان الأفريقية على رصد عمليات تدهور الأراضي مع مرور الوقت، والمساعدة في تضييق فجوات نقص البيانات الموجودة في تلك البلدان. هذا ما نحتاجه في السودان. نحن بحاجة إلى أن نكون مدركين للمشكلة قبل حدوثها وإلا فسينتهي بنا الأمر و نحن نراقب، بينما يستولي التصحر ببطء على بلدنا ولن يترك لنا إلا الندم والجوع “.
كما أكد البروفيسور صالح على الحوجة إلى المزيد من الإدارة المستدامة للأراضي، الأمر الذي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال زيادة وعي السكان بهذه القضية أولاً ، مشيرًا إلى أن “المزارعين في البلاد لا يدركون تمامًا حجم هذه المشكلة ، وبالتالي فهم ليسوا بمدركين للحل، و لا يمكنك حل مشكلة دون فهم الحالة، وهذا ما يحدث تمامًا في معظم أنحاء البلاد “.
تضيف السيدة هناء الأمين ، مؤسسة ورئيسة منظمة المبادرة البيئية للتنمية المستدامة: “يجب أن تكون مكافحة التصحر من الأولويات في السودان ، فنحن نتحدث عن تنمية التطور ، والحد من الفقر ، العدل ، و التوظيف الاجتماعي، واتفاقيات الشراكة مع أصحاب الأعمال الوطنيين والدوليين. كل هذه أهداف للتنمية المستدامة لا يمكن تحقيقها دون مواجهة التصحر “. كما أشارت السيدة هناء إلى الدور الهام الذي يمكن أن تؤديه المنظمات غير الحكومية في مكافحة التصحر ، ناقدة الهيئات الحكومية التي لا تشرك هذه المنظمات وتدعمها في تمكين قيمتها المضافة ومساهمتها في الجهود الوطنية للحد من التصحر. وأضافت: “أنا لا أقول إنه لا يوجد عمل قائم، ولكن حتى الآن، فإن المشاريع الوحيدة التي تم تنفيذها هي مشروعات صغيرة تخص تربية الأحياء المائية. ولمكافحة التصحر ، نحتاج إلى تعزيز السياسات والعمل على مشاريع طويلة الأجل، مع مراعاة الخطة الاستراتيجية الوطنية للبلاد لمكافحة هذه القضية”. وتلاحظ السيدة هناء أن هناك مشكلة واضحة في تضارب المصالح التي تعوق الحد الفعال من التصحر، “لا تساهم السياسات الحالية في السودان في مكافحة التصحر على الإطلاق ، لأن الأشخاص المسؤولين عن المشاريع هم نفس الأشخاص الذين يوقعون أذونات لقطع الغابات والأشجار “. على الرغم من أن الطريق نحو إيجاد الحلول يبدو معقدًا تقترح هناء البدء برفع الوعي وجمع المعلومات ، و أضافت “من وجهة نظري ، أعتقد أننا بحاجة إلى البدء في زيادة الوعي ونشر المعلومات ودمج آلية لإشراك المجتمع، و الاستماع إلى كيفية تأثر جميع الأفراد بهذه القضية”.
دروس من أنحاء العالم
لا يراقب المزارعون و السياسيون في النيجر وضعهم الحرج في صمت، وليسوا هم بمنتظرين للتصحر إلى أن يدمر حياتهم و القوة الاقتصادية للبلد. تكيف المزارعون مع آثار التصحر بإعادة زراعة الأشجار التي تكمن جذوعها في التربة. في السابق تم إقصاء هذه الأشجار لغرض زراعة الأراضي ، ولكنهم وجدوا أنه من خلال ترك الأشجار في حقولهم ، يجني المزارعون المزيد من الفوائد مثل: الحطب ، وعدد أقل من الآفات والأمراض ، وتآكل التربة بشكل أقل ، ارتفاع منسوب المياه ، وارتفاع غلال المحاصيل. وتعرف هذه العملية باسم التجديد الطبيعي الذي يديره المزارع أو FMNR. انتشرت هذه الممارسة في جميع أنحاء البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية. وقدرت الدراسات أنه بمساعدة هذه التقنية، تمكن المزارعون من زراعة 200 مليون شجرة وإعادة تأهيل خمسة ملايين هكتار من الأراضي المتدهورة.
في نياندو ، كينيا، أجرى المزارعون تجارب على الزراعة الحراجية (agroforestry)، و هي نظام لإدارة استخدام الأراضي. في هذا النظام تزرع الأشجار حول المحاصيل أو المراعي، و يُجمع فيه بين الشجيرات والأشجار و التقنيات الزراعية و الغابية. ينتج عن ذلك أنظمة أكثر تنوعًا وإنتاجية، ومربحة وصحية وسليمة بيئيًا ومستدامة لاستخدام الأراضي. يستخدم المزارعون في كينيا هذا النظام كطريقة للحد من تعري التربة وإبطاء تدهور الأراضي. حيث أن دمج الأشجار في المزارع يسمح للمزارعين بحماية أراضيهم و التقليل من اعتمادهم على محصول أساسي واحد.
الصين أيضا واحدة من أكثر البلدان المتضررة من التصحر ، حيث تتوسع صحراء غوبي إلى الجنوب مما يدفع مجتمعات بأكملها إلى الانتقال وبالتالي زيادة عدد اللاجئين بسبب المناخ. على الرغم من أن آثار التصحر على الصين تزداد سوءاً كل عام ، إلا أن البلاد لا تزال تشكل مثالاً عظيماً للتصدي لأزمة التصحر. اتخذت الصين منهجًا هندسيًا جغرافيًا رئيسيًا للحد من الصحراء الممتدة عبر زراعة الأشجار لإنشاء “الجدار الأخضر العظيم”. ومثلما قد يبدو الأمر مجنونا ، تخطط الصين في الواقع لزرع 88 مليون فدان من الغابات في منطقة تمتد على طول 3000 ميل وعرضها إلى 900 ميل بحلول عام 2050. إذا نجح مشروع الصين – الدولة التي يبلغ عدد سكانها 1.5 مليار نسمة – في مكافحة التصحر ، يمكن أن يكون ذلك بمثابة دليل للبلدان ذات ال 250 مليون نسمة في جميع أنحاء العالم المهددة بالتصحر.
لن يتوقف التصحر، ومن المتوقع أن يزداد الضغط على موارد الأراضي مع نمو السكان. عدد متزايد من السكان سيحتاج بالمزيد من الغذاء ، مما يعني أنه ستتم المطالبة بالأراضي غير المناسبة أو ذات التنوع البيولوجي من أجل استخدامها لأغراض الزراعة. ستصير هذه الأراضي بذلك أكثر عرضة للتدهور. يمكن أن نرى أنها دورة لا نهاية لها تحتاج إلى تقسيم، أو أن الأرض ستصبح صحراء بحلول عام 2050 بسبب التصحر.
مصادر:
مقابلة مع المتحدث الرسمي لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحر بشأن التصحر في السودان وإدارة الأراضي لأغراض التنمية المستدامة كوسيلة لمكافحة التصحر.
تم بحث و كتابة هذا المقال بفضل الشراكة مع InfoNile و Internews’ Earth Journalism Network