عبير ربيع
تتمثل إشكالية التنمية فى أن وصفة واحدة تصلح لكل الدول النامية، فكانت برامج التكيف الهيكلى فى التسعينيات، ثم تم استبدالها بالأهداف الإنمائية الثمانية للألفية فى بداية القرن الحادى والعشرين ومع انتهاء المدى الزمنى المفترض لتحقيقها فى 2015، تم تبنى أهداف التنمية المستدامة والتى حدد لها عام 2030 لتحقيقها.
صحيح أن رؤية التنمية اتسعت بحيث لم تقتصر على رفع معدل نمو الناتج القومى فقط، فأدمجت أبعادا أخرى كالصحة والتعليم والبيئة والنوع الاجتماعى لكونهم عوامل مؤثرة على أداء وإنتاجية الاقتصاد القومى للدولة. كذلك أسلوب إعداد استراتيجية التنمية وآليات متابعة تنفيذ الأهداف وتقويمها قد اختلف ليسمح بحضور وأحيانا بمشاركة أكثر لممثلى فئات المجتمع.
فى سبتمبر 2015 أقرت دول العالم فى الأمم المتحدة أهداف التنمية المستدامة، لكى تتبعها الدول النامية فى صياغة أولوياتها التنموية، ولتوجه الدول المانحة أموالها بناء عليها. وتشمل أهداف التنمية المستدامة 17 هدفا، تحتل فيها المياه بشكل واضح وصريح الهدف السادس وهو «ضمان توافر المياه وخدمات الصرف الصحى للجميع». بينما تضمنت الأهداف الأخرى المياه بأبعاد مختلفة، ففى الهدف الثالث الخاص بالصحة يأتى الحد من الأمراض المرتبطة بالمياه باعتباره إحدى سبل تحقيق وضع صحى أفضل، وفى الهدف السابع تعد الطاقة الكهرومائية أحد مصادر توفير طاقة نظيفة ومستدامة، ثم تأتى مواجهة الكوارث المرتبطة بالمياه باعتبارها أحد مقاصد الهدف الحادى عشر الخاص ببناء مدن ومجتمعات محلية آمنة، والجانب الخاص بجودة المياه وحمايتها من النفايات والمخلفات الصلبة جاء فى الهدف الثانى عشر وهو «ضمان وجود أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة»، وفى مجموعة الأهداف الخاصة بالبيئة وهى الأهداف الرابع عشر والخامس عشر والسادس عشر فإن المياه مكون رئيسى للنظم البيئية البحرية والبرية التى يجب الحفاظ عليها وصيانتها دائما.
فكيف تناولت استراتيجية التنمية المستدامة لمصر ولإثيوبيا الموارد المائية كون المياه حلقة الوصل المسيطرة على العلاقات المصرية الإثيوبية؟
بداية، يجب الإشارة إلى أن مصر جعلت من أهداف التنمية المستدامة استراتيجية شاملة طويلة الأمد تمثلت فى «رؤية مصر 2030» وتشمل ثلاثة أبعاد (الاقتصادى، الاجتماعى، البيئى) بحيث يكون تطبيقها فى مختلف قطاعات الإنتاج دون تخصيص أهداف لكل قطاع. بينما إثيوبيا تطبق آلية الخطط الخمسية فى التنمية بناء على القطاعات الاقتصادية وذلك فى «خطة النمو والتحولThe Growth and Transformation Plan (GTP) التى بدأ تطبيقها فى عام 2010 أى قبل إقرار أهداف التنمية المستدامة، لهذا تم إدماج الأهداف فى الخطة الثانية (2015 ــ 2020) المطبقة حاليا، مع الإعلان باستمرار إدماج الأهداف فى الخطط الخمسية اللاحقة حتى عام 2030.
***
التنمية تستهدف الاقتصاد فى الأساس، لذلك فإن هدف رؤية مصر 2030 هو «أن تكون مصر الجديدة بحلول 2030، ذات اقتصاد تنافسى ومتوازن ومتنوع»، وفى خطة النمو والتحول الإثيوبية الهدف هو «أن تصبح إثيوبيا من الدول ذات الدخل المتوسط الأدنى بحلول عام 2025».
إن اختلاف الهدف الرئيسى يعكس اختلاف المقومات والموارد المتاحة ومسارات التنمية السابقة فى كلا البلدين، ومع هذا فإن المياه كانت حاضرة كمحرك رئيسى لتحقيق التنمية الاقتصادية فى إثيوبيا ولذلك توصف التنمية الاقتصادية بأنها تستهدف إقامة اقتصاد أخضر. بينما فى مصر فإن المياه مورد شحيح لهذا تهدف استراتيجية التنمية إلى إدارة أفضل للمياه كى تلبى الاحتياجات السكانية المتزايدة.
المياه فى رؤية مصر 2030 جاءت متضمنة فى البعد البيئى بهدف تأمين الموارد الطبيعية وتعظيم الاستفادة منها بشكل عادل للأجيال القادمة وبما يفيد القطاعات الاقتصادية المختلفة. وفى الخطة الإثيوبية فإن الموارد المائية تعدد استهدافها ما بين قطاع الزراعة وقطاع الطاقة وفى خطط التوسع فى إمداد مياه الشرب وتحسين نظم الرى، وفى مجال البيئة ومواجهة التغيرات المناخية وتحقيق الاقتصاد الأخضر.
ففى محور الطاقة، يرتكز تحقيق النمو فى أثيوبيا على توليد الطاقة اللازمة لزيادة إنتاجية قطاعى الزراعة والتصنيع. ويأتى توليد الطاقة الكهرومائية على رأس أنواع الطاقة المستهدفة تليه الطاقة الحرارية الجوفية ثم طاقة الرياح ثم الطاقة الشمسية. فهدفت الخطة الخمسية الأولى (2010 ــ 2015) إلى زيادة الطاقة الكهربائية من 2000 ميجاوات فى 2009/2010 إلى 8000 ميجاوات فى 2015 ولكن ما تحقق هو 4180 ميجاوات. لهذا ففى الخطة الخمسية الثانية المطبقة حاليا جاء الهدف زيادتها إلى 17208 ميجاوات فى 2019/2020 على أن يكون 13817 ميجاوات طاقة منتجة من المياه. يصاحب توليد الطاقة أهداف التوسع فى إمداد شبكات توزيع الكهرباء إلى مختلف أقاليم الدولة لتغطى 90% من البلاد عام 2020 بدلا من 60% كما فى 2014/2015، أيضا تطوير محطات الطاقة الكهرومائية، وبناء القدرات البحثية والتكنولوجية المتعلقة بذلك.
بينما فى مصر حيث تعانى الفقر المائى فإن الاستثمار لتوليد الطاقة من المياه أمر غير وارد، فحسب توصيف محور الطاقة فى البعد الاقتصادى فإن الطاقة الكهرومائية تشكل 5% من إجمالى الطاقة وهو أعلى استفادة ممكنة، لذلك فإن خطط الطاقة تستهدف طاقة الرياح والطاقة الشمسية كمصادر متجددة.
***
الزراعة هى عصب الاقتصاد الإثيوبى، وتهدف خطة النمو والتحول إلى زيادة إنتاجية المحاصيل ذات العائد الاقتصادى مع تحسين أوضاع الفلاحين وكذلك الرعى والمنتجات الحيوانية. وفى ذلك تستهدف الخطة زيادة مساحة الأراضى المروية من 2.34 مليون هكتار فى 2014/2015 إلى أكثر من 4 ملايين هكتار بحلول عام 2020، مع إضافة مليون هكتار من الأراضى المروية وتوزيعها على صغار الفلاحين. وعلى الرغم من أن الخطة أشارت إلى مشروعات وآليات لتعظيم الاستفادة من تجمع مياه الأمطار فإن آثار التغير المناخى على عدم استقرار القطاع الزراعى جعلت الحد من الاعتماد على مياه الأمطار فى الزراعة هدفا عاما يظهر فى أماكن متفرقة فى الخطط الخمسية.
وفى البعد البيئى تتضح رؤية وأهداف الدولة المصرية للمياه كجزء من النظام البيئى المحيط بنا. والتحدى البيئى الأول هو الفقر المائى حيث نصيب الفرد من المياه العذبة هو 650 مترا مكعبا، وأنه يتم استهلاك 85% من المياه فى الحصول على الغذاء وليس فى قطاع الصناعة أو توليد الكهرباء، وفى مقابل ذلك فإن مصادر المياه العذبة الأخرى كالمياه الجوفية مهددة نتيجة آثار التغير المناخى على ارتفاع سطح البحر وزيادة الملوحة فى المياه.
وتستهدف رؤية مصر 2030 العمل على زيادة نصيب الفرد من المياه إلى 750 مترا مكعبا فى 2020، وصولا إلى حافة خط الفقر المائى بمعدل 950 مترا مكعبا سنويا فى 2030. وكذلك العمل على الحد من استهلاك المياه العذبة فى قطاعى الزراعة والصناعة والاستخدام المنزلى لتصل فى 2030 إلى 80% من إجمالى الموارد المياه العذبة، فحاليا نسبة الاستهلاك 107%، مع زيادة المياه الافتراضية من خلال وضع نظم لتجارة المواد الغذائية. على الجانب الآخر تستهدف الرؤية زيادة استخدام المياه العذبة غير التقليدية من 20% إلى 40% من إجمالى الموارد المائية العذبة بحلول عام 2030. هذا بالإضافة إلى تحسين جودة المياه من خلال إدارة المخلفات والصرف الصحى والصناعى فى مياه النيل والقضاء نهائيا على الصرف الصناعى غير المعالج فى النيل.
***
هكذا تم تناول الموارد المائية فى استراتيجية التنمية لكل من مصر وإثيوبيا، ولكن يُلاحظ أن الخطاب المستخدم فى استراتيجية التنمية لكلتا الدولتين لم يتم الإشارة إلى النيل كمصدر مائى تتشاركه دول أخرى، ففى مصر، أرجعت التحديات فى ندرة المياه إلى غياب الاستهلاك الرشيد والتغير المناخى والزيادة السكانية وذلك مع «ثبات حصة مصر من مياه النيل». وأيضا فى برامج التنفيذ فى محور البيئة لم تدمج وزارة الخارجية فى آلية تطوير البنية المؤسسية والتشريعية لإدارة الموارد المائية، وكذلك لم يشمل جزء الاتفاقات الدولية هدف مراجعة الاتفاقات الخاصة بالنيل كسبيل لضمان استمرارية تدفق المياه العذبة.
خطة النمو والتحول الإثيوبية أيضا لم تذكر أن توليد الطاقة الكهرومائية يأتى من مورد مائى تتشاركه دول أخرى وأثر مشروعات توليد الكهرباء على تدفق المياه وجودتها، فقط تم الإشارة إلى أن مشروعات إنتاج الكهرباء سيستفاد منها الدول المحيطة مثل جيبوتى والسودان وكينيا.
من المفترض أن توحيد أهداف التنمية عالميا بحيث تتبناها الدول النامية يعزز من التعاون المتبادل لتحقيق هذه الأهداف، ولكن اختلاف المنظور المصرى والإثيوبى للمياه كمورد اقتصادى يجعل التعاون بين البلدين فى هذا المجال ليس بالأمر التلقائى ويحتاج إلى مجهود وإرادة لإيجاد مشروعات ثنائية تتفق مع رؤية التنمية المستدامة للبلدين!
* تم الاعتماد على الموقع الإلكترونى الرسمى لرؤية مصر2030، ووثيقة خطة النمو والتحول الثانية (2015 ــ 2020) الصادرة فى مايو 2016 من لجنة التخطيط القومى بالحكومة الفيدرالية الإثيوبية.